حكاية الملك والحكيم
يحكى أنّ ملكا عادلا خرج ذات يوم مع وزيره وبعض مرافقيه في رحلة، فرأوا في البادية رجلاً كبيراً يحمل حزمةً من الحطب على ظهره متجهاً نحو قريته، فاستوقفه الملك وسأله قائلاً: أيها الشيخ ماذا تفعل بهذه الحزمة من الحطب؟
فأجاب الرجل: إنني في كل يوم أذهب إلى الفلاة فاحتطب حزمة من الحطب أحملها ثم أبيعها في بلدتي بأربعة دراهم.
فسأله الملك: وماذا تفعل بالدراهم الأربعة يا أخي؟
أجاب الرجل: درهم أوفي به دَيني، وآخر أُقرضه، وثالث أرميه في حفرة، ورابع أصرفه على عيالي.
سرّ الملك بجواب الرجل الكبير، وقال له : أحسنت يا هذا ولكن لاتبع رخيصاً!
وفي الطريق سأل الملك وزيره عن معاني الكلام الذي سمعه أثناء ذلك الحوار، فاستمهله الوزير مدة سبعة أيّام حتى يتوصل لتفسير ذلك الكلام. وافق الملك العادل على طلبه فعاد الوزير مسرعاً يتعقّب خطى ذلك الرجل الحطّاب ويتقفّى أثره حتى إذا عثر عليه سأله عن معاني لغز كلامه.
فقال له: أما سمعت سيّدك وهو يوصيني بقوله: لاتبع رخيصاً؟ أعطني مئة قطعة من الذهب أنبئك بمعاني قولي. لبّى الوزير طلبه فأعطاه مئة قطعة نقدية ذهباً، ثم قعد يستمع من الرجل تفسير قوله فقال له الشيخ: أمّا الدرهم الذي أوفي به ديني فهو لأبي العاجز عن العمل؛ لقد ربّاني أبي وصرف علي في طفولتي حتى كبرت، والآن جاء دوري في أن أردّ له دينه وأوفيه حقّه علي.
أما الدرهم الذي أقرضه فهو الذي أصرفه على ابني الصغير حتى يكبر فيردّ لي قرضي ويعوّضني عن تعبي عند هرمي، فكأن النقود التي أصرفها عليه إنما هي دَين في عنقه.
وأما الدرهم الذي أرميه في الحفرة فهو ذلك الدرهم الذي أصرفه على ابنتي حتى تكبر،فتتزوج وتذهب إلى بيت زوجها غائبة عنّي فلا أرى منها شيئاً، فكأن النقود التي أصرفها عليها إنما أرميها في حفرة.
وأمّا الدرهم الأخير والذي قلت إنني أصرفه، فهو الدرهم الذي أعيل به زوجي التي يجب علي إعالتها والإنفاق عليها.
سرّ الوزير بكلام الحطّاب ومنحه المزيد من النقود، ثمّ عاد إلى الملك يحكي له ما حدث، فقال له الملك: لقد كنتُ مدركاً لمعاني كلام الرجل غير أنّي لم أرد أن أعطيه شيئاً بالمجّان فيركن إلى الكسل وينصرف عن العمل ويبقى ينتظر رزقه دون جهد وتعب